بما أن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون أو كما قال رسولنا الكريم في حديثه الشريف فلماذا لا تحمل جيناتنا الوراثية العربية ملكة الاعتذار فعندما ننزلق برعونة ونخطئ أو نجرح إنسانا بلا ذنب فهل تمثل كلمة انا آسف عبئا ثقيلا على ألسنتنا الدودية الملتهبة والواجب استئصالها منذ زمن بعيد؟؟ وهل تنقصنا شجاعة الاعتراف بالخطأ تلك الفضيلة الغائبة لظروف خارجة عن إرادتنا والمحتجزة في مكان مجهول؟؟! وهل تقف عنجهيتنا المشهورة واعتزازنا بذاتنا المتورم حائلا رهيبا
أمام خضوع الاعتراف بالذنب ؟! هذا الخضوع اللازم والضروري لنوضح لمن تسببنا في أذيتهم إننا نادمون على ما فعلنا وعازمون على التوبة مما استوجب الاعتذار وعدم تكرار تلك الفعلة تحت اى ظرف من الظروف .
هذه الضرورة تنبع من خطورة السير في الطريق الآخر لأن البديل المتاح هنا سيكون أكثر مرارة
وأكثر توغلا في مستنقع الخطأ لأن الاعتذار السمج المفتقر للصدق والمبنى على أعذار واهية سوف يحملنا وزر خطيئة أخرى ألعن وأضل ألا وهى خطيئة الغباء وهى تلك النقيصة التي تحضر بقوة في مثل هذه المناسبات لتجعل كثير من الأعذار أقبح من الذنوب نفسها وقانا الله وإياكم شر الغباوة والأغبياء
فالاعتذار اللطيف ينجيك من هذا كله وهو أيضا سيقوم بدور حائط الصد المنيع الذي سيقف شامخا ضد موجات اللوم والتأنيب التي سوف تندفع نحوك كإعصار توسونامى لتجعل كرامتك مثل كرامة ذلك اللص الذي ضبط يسرق أحذية المصلين أمام المسجد وهناك أسلوب آخر أكثر إبحارا في ذلك المستنقع يندرج تحت باب عمى البصر والبصيرة يلجأ إليه البعض كمهرب من خجلهم عند وقوعهم في خطأ ما وهى تلك الابتسامة البلهاء التي يتقمصها البعض ويعتقد إنها سوف تحميه من لوم اللائمين فتكون وبكل كفاءة المفجر السريع لثورة الغضب التي سوف تصب حممها على وجوههم الملساء اللزجة المتشدقة بتلك الابتسامة بالغة الاستفزاز فيكونوا مثل من استجار من حر الرمضاء بالنار واعتقد أن ما ينالوه بعد ذلك يكون من حظهم وعن جدارة واستحقاق
ولأن عمنا الشاعر الكبير أبو نواس صاحب تجربة فريدة في هذا المجال وهى بالمناسبة المدرسة الرابعة التي نشير إليها اليوم في هذا المقال كان يعرف جيدا بأن اللوم إغراء ألا انه وباعتباره مصدر مهم من مصادر ثقافتنا العربية لم يجرب حل الاعتذار من الأصل لتفادى هذا اللوم بل انه زاد الطين بله واتبع سياسة أتت بوليد البغل ألا وهى سياسة كبر دماغك وليذهب الجميع للجحيم وتتضح بجلاء حين ينشد قائلا
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
يعنى وبالمختصر المفيد اشربوا من البحر فلن أعود عن رأيي مهما فعلتم بل اننى سأداوى لومكم بمزيد من التجاهل وسأبحر أكثر في حماقاتي تلك التي تسببت في شعوركم بالانزعاج وملعون أبو خاش الجعيص فيكم
وأما في هذه الحالة وبوصولنا المحمود إلى النواسيين العرب الجدد فاعتقد بان الثقب هنا يكون قد اتسع علينا جميعا وأننا نكون وصلنا لمرحلة مستفحلة من المرض لا اعتقد أن كبسولاتي الضعيفة هذه سوف تؤتى أثرا يذكر في العلاج ويبقى لي هنا مرة أخيرة للاعتذار أقدم فيها اعتذاري المخلص الصادق إلى النواسيين العرب الجدد وأصحاب نظرية داوني بالتي كانت هي الداء على اضاعتى وقتهم الثمين في قراءة هذه التخاريف متعللا لهم بألا يؤاخذونني بما لا املك فليس كما تعلمون على المجنون حرج
د.وائل موسى غيث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق